التفاوض مهاره فطريه أم مكتسبه

4- احداث ماقبل التفاوض النهائي ...

1- محاولات التسويه الوديه ...
ارسلت قريش بعض الرسل ليستوضحوا امر المسلمين (اولهم بديل بن ورقاء الخزاعي - رجلا عاقلا - ... ثم مكرز بن حفص - رجلا غادرا - ... الحليس بن علقمه – سيد الاحابيش – ثم عروه بن مسعود الثقفي – سيد اهل الطائف -) ... وكانوا جميعا يعودون الي قريش مؤكدين لهم أن الرسول (صلي الله عليه وسلم) وصحبه لم يأتون للحرب وأنما جاءوا للعمره ... ولكن قريش كانت كل مره تركب رأسها اكثر ... ولما طالت المحادثات علي هذا النحو ولم تأتي بفائده ... فرأي النبي (صلي الله عليه وسلم) أن يبعث برسول من عنده لقريش ... فأرسل خراش بن اميه الخزاعي ... وقبل أن يدخل مكه كادت قريش أن تفتك به لولا أن منعته الاحابيش وعاد مرة اخري لمكان الرسول (صلي الله عليه وسلم) وصحبه ... واصبح الموقف يتصاعد ناحية المواجهه (القتال) ... فكره الرسول (صلي الله عليه وسلم) ذلك وطلب من عمر بن الخطاب أن يذهب لقريش للتفاوض وتوضيح الامر ... لكن عمر كانت لديه اسبابه لعدم الذهاب لمكه (وهو شرف كبير لانه تكليف من الرسول) (صلي الله عليه وسلم) ... واقتنع الرسول (صلي الله عليه وسلم) وكلف عثمان بن عفان بالمهمه ... وذهب عثمان الي مكه وعرض الامر علي زعماء قريش ... الذين طلبوا منه الطواف بالبيت ترضية واستمالة له ... لكنه رفض الا بصحبة الرسول (صلي الله عليه وسلم) وباقي الصحابه ... وتعثرت المفاوضات التمهيديه ... واحتبست قريش عندها عثمان بن عفان ... وراجت اشاعه قويه عن مقتله ...

2- بيعة الشجره (الرضوان) ...
لما بلغ الرسول (صلي الله عليه وسلم) والصحابه اشاعة مقتل عثمان ... قرر الرسول البقاء لقتال قريش وطلب من صحابته البيعه ... فكانت البيعه تحت الشجره وفيها بايع الصحابه الرسول (صلي الله عليه وسلم) علي الا يبرحوا مكانهم حتي يقاتلوا المشركين دون أن يفروا ... وكم هو عظيما أن يقرر نفر من الناس أن يبايعون النبي (صلي الله عليه وسلم) علي القتال وهم عزل من السلاح ويبعدون عن أي مدد بمسافه لا تقل عن 500 كيلومتر (المسافه الي يثرب) ... مع انهم ولو حدث القتال فسيواجهون جيشا بعتاده وعدته ... جيشا علي بعد مسافه قليله من المدد (مكه علي بعد 20 كيلو فقط) ... وقد سميت ببيعة الرضوان حيث نزل في هؤلاء كتاب الله {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18] ... وهؤلاء القوم هم من قال فيهم رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يوم حديبيه (أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ) ... ثم ثبت بعد ذلك كذب الاشاعه وعاد عثمان من مكه ... التي علم سادة قريش فيها بأمر البيعه وعرفوا أنه لا مفر من تفاوض ناجح لدرء القتال مع المسلمين ... فقرروا ارسال من يتفاوض عنهم مع الرسول (صلي الله عليه وسلم) ...

3- اختيار شخصية المفاوضين ...
فكرت قريش في اختيار المفاوض واحدا من ... عكرمة بن أبي جهل ... أو خالد بن الوليد أو أبا سفيان أو صفوان بن أمية؟ ... ولكن قريش لم تبعث أيًّا من هؤلاء وذلك لأنهم كانوا من المتشددين وكانوا كلهم يريدون محاربة المسلمين ... وقريش (القاعدة العامة) لا تريد ذلك ... إنما تريد أن تلطِّف جوًّا مشحونًا بالخوف ومعتمًا بالمجهول ... لكنها اختارت سهيل بن عمرو وكان رجلا فصيحا يجيد التفاوض وكانت له حياة هادئة في مكة ... ولم يكن في سيرته مصادمات مباشرة مع المسلمين ... الأمر الذي يمكنه من التفاوض مع المسلمين بهدوء ... لكن في الوقت نفسه كان لقريش أغراض أخرى من اختيار سهيل بن عمرو بالذات ... فهو رجل مصاب من المسلمين في بيته ... إذ إنه قد أسلم أربعة من أولاده وثلاثة من إخوته ... فكأن الأمر بالنسبة إليه دفاع عن قضية شخصية ... مما يجعله يفاوض بكل حميَّة ... ويسعي للحصول من المسلمين علي كل مصلحة ممكنة من أجل قريش ... (لاحظ الاسس التي يتم علي اساسها المفاوض) ... اما المفاوض الآخر فلا أسس اعظم من اختيار رب العزه له ليكون خاتم الانبياء والمرسلين (صلي الله عليه وسلم) ...

4- الحالة الذهنية والنفسية لاطراف التفاوض ...
ولو بدأنا بجانب المسلمين فلابد لنا اولا أن نعرف أن ما حرك الرسول (صلي الله عليه وسلم) والمسلمين للذهاب الي مكه في هذا التوقيت ... هو حلم رآه الرسول (صلي الله عليه وسلم) في منامه (وحي من السماء) ... وقد ترجم ذلك في وعد للصحابه بدخول مكه للعمره في هذه الرحله ... وهو ما وافق شوقا كبيرا لدي المسلمين الذين كانوا ينتظرون اليوم الذي تُتاح لهم فيه فرصة العودة إليها والطواف ببيتها العتيق ... بالاضافه الي قناعه اكيده من الرسول (صلي الله عليه وسلم) بعدم اللجوء للقتال (بدليل ما حمله المسلمون معهم في رحلتهم من سلاح خفيف كافي للسفر فقط – سيف خفيف) ... وبدليل اختيار الرسول (صلي الله عليه وسلم) لشهر ذي القعده وهو من الاشهر الحرم حتي لا تتوجس قريش وتصده عن مكه ... وهناك ايضا عامل نفسي هام جدا لدي الرسول (صلي الله عليه وسلم) والمسلمين معه ... وهو انهم كانوا حتي هذه اللحظه يعدون قله غير معترف بها سواءا من قريش أو من القبائل والاحزاب الاخري ... إذ إنها ما زالت جماعة ناشئة ضعيفة مستضعفة ... كل هذه عوامل لابد أن توضع في الاعتبار حيث أنها تكون المناخ الذهني والنفسي لجانب الرسول (صلي الله عليه وسلم) والمسلمين قبل بدء التفاوض ...
ولو ذهبنا الي جانب قريش فلابد أن نضع في الاعتبار مجموعه من العوامل التي تخص هذا الجانب ... اولها أن قريش كانت قد اخذت عهدا معلنا منذ هاجر الرسول والمسلمون معه الي المدينه أن يصدوهم عن المسجد الحرام وأن يحولوا بينهم وبين سائر العرب ... وكان الكفار فى الجزيرة العربية يعتبرون قريشا هى رأس الكفر وحاملة لواء التمرد والتحدي للدين الجديد مما جعل الكثير من هذه القبائل والاحزاب يتخذون موقف قريش من محمد (صلي الله عليه وسلم) والمسلمون كقدوة لهم في موقفهم من الاسلام ... لم تكن قريش في حاجة لاعتراف الرسول بها ... ذلك أن تاريخها يرجع إلى أكثر من ستمائة عام ... وهي قبيلة معترفٌ بها وسط مكة المكرمة ووسط الجزيرة العربية ... بل ووسط العالم آنذاك ... ولها عَلاقات مع بعض الدول في العالم ...
وهكذا دخل كل طرف من الاطراف هذا الصلح (التفاوض) وهو في حاله ذهنيه ونفسيه وماديه مختلفة الابعاد تماما ...