آداب الحديث
الحقيقة الحديـث له آداب كثيـرة ومنها .
1ـ عدم قطع حديث المتكلم :
قد يقطع أحدهم حديثك أكثر من مئة مرّة ويقول لك ، بلا مقطوع عن حديثك ، لا يجعلك تتكلّم بكلمة واحدة ، ويستلم الحديث طوال الجلسة .
ذات مرّة أراد أن يزورني أحد الأشخاص ليستمع إلي ، ولكنني لم أستطع أن أتكلّم بكلمة واحدة وهو يتكلّم طوال الجلسة ، ثم استأذن وخرج .
2ـ التحدث بلغة مفهومة وقريبة من الفصحى قدر الإمكان :
الحديث له آداب كثيرة جداً ، ويجـوز هذا الشيء فوق طاقة أخواننا الحاضرين ولكن ممكن أن تتكلّم بلغة ليست هي بالفصحى ، وليست بالمغرقة في العاميّة مثلاً : " خوش أنا ما بدي أروح " ، فما هذه الكلمة ؟ أي بيد أنّه ، أو لكنّه ، قل : لكنني ، أو لكن ، وتوجد كلمات أخرى كثيرة ، فالكلمات العاميّة والمغرقة في العاميّة تذهب برونق الكلام ، فإذا تمكّن الإنسان من أن يتكلّم لغة فصحى مبسّطة فهذا شيء جميل جداً .
(( أقبل العبّاس رضي الله عنه إلـى النبي صلّى الله عليه وسلّم وعليه حُلّتان وله ضفيرتان وهو أبيض فلمّا رآه تبسّم ، فقال العبّاس : يا رسول الله ما أضحكك أضحك الله سِنّك ؟ فقال : أعجبني جمال عمِّ النبيّ . فقال العبّاس : ما الجمال ؟ قال : اللسان )).
[رواه الحاكم في مستدركه عن عليّ بن الحسين رضي الله عنهما]
على عكس ما فهمنا نحن أنّ عليه حلّتين وله ضفيرتين وهو أبيض اللون ، وعند العسكري : الجمال في الرجل فصاحة لسانه .
إذا حاول الإنسان أن يتكلّم بكلام فصيح ، وأنا لا أُحمِّلكم فوق طاقتكم ، لكن ابتعد عن العاميّة المغرقة ، مثلاً : أين هي ؟ فيجيب قائلاً : ليكوك ، كلمات غريبة جداً ، وأحياناً تجد شخصاً مثقّفاً كبعض المدرسين يلقون درساً في الرياضيّات وباللغة العامية ، أو بالفيزياء باللغة العاميّة ، هذه مشكلة كبيرة ، لأن الدعوة إلى الله تحتاج إلى لغة ، وتعلُّم اللغة من الدين أيها الأخوة ، فقد قال سيّدنا عمر رضي الله عنه : "تعلّموا العربيّة فإنّها من الدين ."
إذا كان عندك كتاب في النحو أو في الصرف ، أو سمع درساً في النحو أو سأل سؤالاً ، أو اقتنى معجماً صغيراً ، أو قرأ نصاً أدبياً وتفاعل معه فهذا شيء جيّد وجميل ، فإذا أراد الإنسان أن يتكلّم عن الله عزَّ وجلَّ فالعربيّة جزء من الدين ، وأحياناً أسمع عن أخواننا بأنّهم يتدارسون معاً دروساً في اللغة العربيّة ، فاللغة العربية هي الإطار ، فهل تستطيع أن تشرب عصيراً أو أنفس الشراب في كيلة أو كأس صدئ ، فالوعاء غير النظيف غير الجميل يُنَفِّرك من الشراب الذي بداخله ، فإذا كان المعنى عميقاً ، المعنى قرآنيّاً واللغة عاميّة فقد شوّهت المعنى ، فبقدر الإمكان تعلّم اللغة العربيّة .
(( قلنا يا رسول الله ما رأينا أفصح منك ! فقال : إنّ الله تعالى لم يخلقني لحّاناّ ، اختار لي خير الكلام كتابه القرآن )).
[رواه الشيرازي والديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه ]
قال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ذات مرّة :
(( أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش .))
[رواه السيوطي في المزهر]
بيد أنّي أي إلا أني وكأنّه سيذمُّ نفسه ، وقريش أفصح قبيلة ، قيل هذا الأسلوب أسلوب تأكيد المدح فيما يشبه الذّم ، كقول الشاعر :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلولٌ من قراعِ الكتائبِ
***
كقولنا : فلان كريم لكن شجاع ، هذا اسمه تأكيد المديح بما يشبه الذّم ، هكذا النبي قال :
(( أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش .))
[رواه السيوطي في المزهر]
في الحقيقــة قد تعلّمنا في الجامعة أنّ أفصح كلامٍ على الإطلاق هو القرآن الكريم ، وأفصح كلامٍ بعده على الإطلاق كلام النبيّ عليه الصلاة والسلام ، فإذا قرأ الإنسان القرآن وقرأ الحديث فقد ملك بهما الفصاحة .
حينما كنّا ندرس في الجامعة كان عندنا أستاذ تفكيره غير إسلامي ، وغير علمي إطلاقاً ، وغير ديني ، لكنّه كان يقول : لا تستقيم ألسنتكم إلا إذا قرأتم القرآن كلّ يوم بصوت جهوريّ .
القرآن يعلّم الفصاحة ، والحديث الشريف يعلّم الفصاحة ، فإذا أردت الفصاحة والبلاغة فعليك بكتاب الله وحديث رسول الله .
3ـ التمهُّل في الكلام حتى يفهم المستمع المراد منه :
من أدب الحديث التمهُّل في الكلام حتى يفهم المستمع المراد منه ، فكل إنسان في بدايته يتكلّم كلاماً كثيراً في وقت قليل ، كلام سريع ، فالنصيحة أن تتكلّم نصف الذي ينبغي أن تقوله بهدوء وبإشارات وبتعليقات أفضل بكثير من أن تلقي كماً كبيراً بأسلوب سريع غير متروٍ ، روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنهـا قالـت :
(( ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسرد الحديث كسردكم هذا ، يحدِّث حديثاً لو عادّه العادُّ لأحصاه )).
[ متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها ]
كان عندنا أستاذ في الجامعة وقد كنا مئتين وعشرين طالباً ، ففي بعض الدروس يكون الحضور خمسة طلاّب ، وبدرسه كنا نحضر جميعاً وبعضنا على الواقف ، إذا تكلّم الأستاذ فلا نحتاج أن نقرأ الدرس مرّة أخرى في البيت لوضوحه وبساطته وكلامه البليغ ، تخرج من المحاضرة حافظاً لكل الدرس ، ولا تحتاج أن تقرأه في البيت إطلاقاً ، لذلك من السنّة أن تقول كلاماً متمهّلاً دون سرعة ، حتى يحدث الاستيعاب :
(( ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسرد الحديث كسردكم هذا ، يحدِّث حديثاً لو عادّه العادُّ لأحصاه )).
[ متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها ]
(( كان كلامه صلّى الله عليه وسلّم فصلاً يفهمه كلُّ من سمعه )).
[ أبو داود عن عائشة أيضاً رضي الله عنها]
4ـ الابتعاد عن الثرثرة والإطناب الممل والإيجاز المخل :
يوجد وصف من أمّ معبد للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فقد مرّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه أثناء طريق الهجرة بمنازل خزاعة ودخلا خيمة أمِّ معبد فاستراحا بها قليلاً ولما خرج من عندها قيل لها : صفيه لنا يا أُمّ معبد ، فقالت : رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخَلق ، وسيماً قسيماً ، إذا صمت علاه الوقار ، وإذا تكلّم سماه وعلاه البهاء ، فهو أجمل الناس وأبهاهم من بعيد ، وأحسنهم وأجملهم من قريب ، حلو المنطق ، فصلٌ ، لا نزرٌ ولا هزرٌ ، كأنّ منطقه خرزات نظمٍ يتحدّرن ، ربعةٌ لا يأس من طولٍ ولا تقتحمه عينٌ من قصر ، غصنٌ بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظراً ، وأحسنهم قدراً ، له رفقاء يحفُّون به ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإذا أمر تبادروا لأمره ، محفودٌ محشود لا عابسٌ ولا مفنِّد ، فقال لها زوجها أبو معبد : هو والله صاحب قريش ، ولقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلنّ إن وجدت إلى ذلك سبيلاً .
لا نزرٌ : أي لا تسحب الكلام منه سحباً ، بعض الأشخاص ذوو كلام نزر إذا قلت له : ماذا تمّ ؟ يقول لك : ماشي الحال ، هل أخذت موافقة ؟ فيجيبك بالإشارة برأسه ، ولا تفهم منه كلمة ، قل : أخذت الموافقة ، هذا النزر .
لا هزرٌ : أي كثير الكلام ، لتّات ، يعمل من الحبّة قبّة .
كأنّ منطقه خرزات نظمٍ يتحدّرن : أي كلامه مثل عقد اللؤلؤ ، كان حلو المنطق لا نزرٌ ولا هزرٌ ، البلاغة بين الإيجاز المخلّ ، والإطناب الممل ، فالإطناب الممل ليس من البلاغة ولا الفصاحة ، والإيجاز المخلّ أيضاً عيبٌ في الكلام .
5ـ الابتعاد عن التقعُّر والتكلُّف :
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن التكلُّف في الفصاحة ، التكلُف في الفصاحة : أي فيه تقعُّر ، والتقعُّر هو تكلُّف الفصاحة ، فأجمل شيء في الحياة الفصاحة ، والشيء الطبيعي ، أما من قال هذه العبارة :
ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكُئِكم على ذي جنّة ، افرنقعوا عنّي .
هذا الكلام تكلُّف وليس من الفصاحة ، تكأكأتم : أي تجمّعتم ، وهذا من التكلُّف الذي ينهى عنه النبيّ ، وكقول الشاعر :
إن كنت كنتَ كتمت الحبَّ كنت كما كنّا ولكن ذاك لم يكُنِي
***
ألغاز وأحاجي وكلمات متكررة هذا التكلُّف نهى عنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .
(( إنّ الله عزَّ وجلَّ ، يبغض البليغ من الرجال الذي يتخللُ بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها )).
[ رواه أبو داود والترمذيّ عن ابن عمر رضي الله عنهما]
التكلُّف ، والتقعُّر نهى عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم .
(( كان إذا تكلّم بكلمةٍ أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه ، وإذا أتى على قومٍ فسلّم عليهم ، وكان صلّى الله عليه وسلّم يتكلّم بكلامٍ فصلٍ لا هزرٍ ولا نزرٍ ويكره الثرثرة في الكلام والتشدُّق به أي التكلُّف )).
[ في الصحيحين عـن أنسٍ رضي الله عنه]
هذا من آداب الحديث ، ابتعد عن اللغة العاميّة ، وعن السرعة في الكلام ، ابتعد عن الثرثرة والإطناب الممل والإيجاز المخل ، وابتعد عن التقعُّر والتكلُّف هذا كلُّه نهى عنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .
6ـ التكلّم بكلامٍ يناسب ثقافة القوم :
من أدب الحديث أيضاً أن تتكلّم بكلامٍ يناسب ثقافة القوم ، أنت تحمل مرتبة الدكتوراه وتجلس مع أناس بسطاء ، وتتكلّم في النظريّة النسبيّة وعن رأي أينشتاين في الفراغ هل هو مستقيم أم منحنٍ ؟ والبعد الرابع للأجسام ، وهم لا يفهمون شيئاً مما تقول ، فهذه تعتبر كمن يعرض عضلاته على الغير ، لكن البطولة أن تتكلّم بكلام يفهمه كلّ الحضور ، فتأتي بمثل يوضّح هذه القضيّة المعقّدة ، فأحياناً قضايا معقّدة جداً توضّح بمثال بسيط .
السبت فبراير 06, 2021 1:39 pm من طرف محمود العياط
» ديوان حصان فى مرماح
الأحد يونيو 24, 2018 2:08 pm من طرف محمود العياط
» ديوان راشيا الوادي محمود العياط
الخميس مايو 11, 2017 1:38 pm من طرف محمود العياط
» ديوان لسن لفـأ رقم 29
الخميس فبراير 02, 2017 7:49 am من طرف محمود العياط
» قصيدة مسقط العامرة تضج بالضياء
السبت يوليو 23, 2016 12:59 pm من طرف محمود العياط
» ايجار سيارات استرتش * ليموزين * للزفاف العرائس
الإثنين مارس 23, 2015 6:21 am من طرف رضوى رودى
» • ايجار ليموزين مصر شركة العلا للسياحة .
الإثنين ديسمبر 08, 2014 1:50 am من طرف رضوى رودى
» • أرقام شركات ومكاتب ايجارسيارات بمصر 01008383000
الأربعاء ديسمبر 03, 2014 8:03 am من طرف رضوى رودى
» • مع العلا ليموزين تأجر جميع السيارات بأحدث المودي
الخميس نوفمبر 13, 2014 7:08 am من طرف رضوى رودى